Main Menu
Documents
Feed Display
Désarmementكلمة وداع السيد إدريس الجزائري سفير الجزائر و الممثل الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف أما م ؤتمر نزع السلاح جنيف في 6 مارس 2012
كلمة وداع السيد إدريس الجزائري سفير الجزائر و الممثل الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف أما مؤتمر نزع السلاح
جنيف في 6 مارس 2012
السيد الرئيس، يطيب لي في البداية أن أعرب عن السعادة التي تغمرني و أنا أرى ممثل مصر، أول بلد عربي يعتلي رئاسة المؤتمر بعد الجزائر سنة 2009. أنكم تتحملون هذه المسؤولية في سياق دقيق و صعب بالنسبة للمؤتمر و بالنسبة لآلية نزع السلاح المتعددة الأطراف برمتها. و هذا يستدعي منا جمــــــــيعا إحاطـــتكم بكل الدعــم و المساندة اللذين تحتاجونهما لتمكين المؤتمر من أداء الوظيفة المنوطة به. بعد سبع سنوات من العمل، فإن مهمتي كممثل دائم للجزائر في مؤتمر نزع السلاح تشارف على نــهايتها. و أود بهذه المنــــــاسبة أن أشــــــاطركم تقيـــــــــيمي و الاستنتاجات التي استخلصتها من تجربتي خلال هذه الفترة. إن الجزائر كانت رغما عنها مسرحا لتجارب نووية فرنسية لا تزال آثارها الوخيمة على الأشخاص و البيئة باقية إلى يومنا هذا. لذلك كان من الطبيعي أن تسعى لإلغاء كل أسلحة الفناء، و أولها السلاح النووي. و كان للجزائر دوما موعدا مع محطات محورية في تاريخ نزع السلاح النووي. فقد كانت أول دولة تترأس في يناير 1979 أشغال لجنة نزع السلاح التي تحولت سنة 1984 إلى مؤتمر نزع السلاح، في شخص فخامة السيد عبد العزيز بوتفـــــليقة الذي كان آنذاك وزيرا للخارجية الجزائرية. كما أن فتوى محكمة العدل الدولية ليوليو 1996 الخاصة بمشروعية التهديد بالأسلحة النووية أو باستخدامها و التي أقرت بأن هناك التزام قائم لإتمام نزع السلاح النووي، تم إصدارها تحت رئاسة السيد محمد بجاوي، مسؤول جزائري بارز لهذه المحكمة. كما أن الجزائر ترأست أيضا مؤتمر استعراض معاهدة حظر الانتشار النووي لسنة 2000 الذي تمخضت عنه الخطوات 13 العملية لنزع السلاح النووي. و في مؤتمر نزع السلاح، كان وفد بلادي ضمن المشاركين في مقترح السفراء الخمس حول برنامج العمل سنة 2002. إن هذه الإسهامات وضـــعت على كاهلي تحــــــديات و طموحات للاستمرار على نفس المنوال . و قد أثمرت مجهوداتي بدعمكم القيم جميعا في موافاة المؤتمر بمقترح حول برنامج العمل الذي اعتمدناه بتوافق الآراء في مايو 2009 تحت رقم 1864CD/. و رغم هذا الاتفاق التاريخي، فقد تراجعنا فيما بعد إلى الخلف و لم نستطع لحد الساعة أن نجد حلا بديلا يمكننا من تجاوز الانسداد. و في هذا الجو العقيم عادت من جديد الخلافات حول الأولويات الواجب أخذها بعين الاعتبار في برنامج العمل. و الأمر يتعلق بالخصوص بدرجة الاهتمام الواجب إعطائها للمسائل الأربعة الرئيسية التي هي نزع السلاح النووي، و حظر إنتاج المواد الانشطارية، و الوقاية من السباق نحو التسلح في الفضاء الخارجي و ضمانات الأمن السلبية. و أشير في هذا الصدد على سبيل الذكر لا الحصر إلى مسألة نزع السلاح النووي. فبالنسبة للأغلبية المطلقة لأعضاء المؤتمر الأولوية الأساسية هي العمل على إزالة السلاح النووي. وتشكل معاهدة حظر إنتاج المواد الانشطارية جزء لا يتجزأ من هذا المسار. إن حجم مخزون البليتونيوم حسب تقرير 2011 للفريق الدولي للمواد الانشطارية يصل إلى 450 طن واليورانيوم العالي التخصيب يصل إلى 1440 طن. أمام هذا الكم الهائل لهذه المواد الفتاكة، فإن أية اتفاقية دولية في هذا الصدد لا تعالج مسألة المخزونات ستكون محدودة الفائدة. لا أحد ينكر أن هناك تطورات إيجابية نوعا ما حدثت في السنوات الأخيرة في مجال نزع السلاح النووي. و قد سجلنا بارتياح تحول في الخــــــطاب الســـــــياسي و عودة نزع السلاح النووي إلى الواجهة. و كان من ثمرة ذلك دخول "معاهدة ستارت" حيز التنفيذ، وإعتماد خطة العمل من طرف مؤتمر استعراض معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لسنة 2010. للأسف، فإن هذه الخطوات تبقى محدودة الأثر. و هي تشكل مجهودا سيـــــاسيا و دبلوماسيا ننتظر تجسيده على أرض الواقع. إذ أن التعهدات لصالح نزع السلاح النووي مشوهة بما يسمى " بسياسات ردع نووية " تلغي في الأفق المنظور أية إمكانية لإزالة هذه الأسلحة تماما. فمختلف المراجعات للعقائد العسكرية للدول الحائزة على السلاح النووي تثبت من جديد سياسات الردع النووي الموروثة عن الحرب الباردة. ولا زالت هذه الدول تعمل على تحديث ترســـاناتها النووية للمــــحافظة على ما تسميه " قدرة ردع نووي ". و الهدف المعلن هو الدفاع عن سيادة هذه الدول و حماية مصــالحها الحيوية. أوليس للدول غير الحائزة على السلاح النووي هي أيضا سيادة و مصالح حيوية تدافع عنها ؟ من واجب كل دولة ردع أي تهديد أو اعتداء خارجي بموجب حق الدفاع عن النفس المكرس في ميثاق الأمم المتحدة. لكن ذلك لا يعطي الحق بتاتا لأي كان الاستمرار في احتكار السلاح النووي. لأن هذا من شأنه أن يقوض منظومة عدم الانتشار. فهو قد يشجع الدول الأخرى الحذو حذو الدول النووية اعتمادا على نفس المنطق. إن حجة الردع النووي من قبل الدول الحائزة على هذا السلاح تِؤدي إلى ترتيب سيادة الدول على درجات متفاوتة. وهذا يتنافى وميثاق الأمم المتحدة و روح معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، لا سيما مادتها السادسة. و هو أمر غير مقبول لا سياسيا، و لا قانونيا و لا أخلاقيا. السيد الرئيس، واهم من يعتقد أن الخطر النووي قد نقص. فلا يوجد أي مؤشر يجعلنا نتوقع ذلك. إن الإحصاء العددي يقر بوجود تسعة دول تحوز على ذلك السلاح سواء كانت منضوية في إطــار معاهدة حــظر الانتـــشار أو لا. ولكن الحقيقة هي أن هــناك حــــوالي 60 % من سكان المعمورة يعتمدون على هذا السلاح في أمنهم بصفة مباشرة أو تحت غطاء المظلة النووية. و لكم تصور هول الكارثة في حالة نشوب نزاع باستعمال هذا السلاح بصفة إرادية أو عن طريق الخطاء. السيد الرئيس، إن القضاء على التهديد النووي يقتضي مقاربة شـــاملة و منسجمة تتمتع بمساندة الجميع و يكون هدفها الوصول إلى إخلاء العالم من السلاح النووي وفق جدول زمني محدد. فالحلول الجزئية دون استراتيجية واضحة لم تعد تفي بالغرض المطلوب لأن مثل هذه التدابير التي اتخذت لحد الساعة لم تحقق الوثبة النوعية المطلوبة. و للأسف الهوة لا زالت واسعة بين الواقع الحالي و متطلبات نزع السلاح النووي. في هذا السياق فإن الدول الحائزة على السلاح النووي مدعوة للإيفاء بالتعهدات التي قطعتها لاسيما الالتزام القاطع لإزالة ترساناتها النووية. إن أول اجتماع تحضيري لمؤتمراستعراض معاهدة حظر الانتشار النووي لسنة 2015 سيلتئم بعد أسابيع قليلة في فيينا. نأمل أن يؤدي هذا المسار إلى نتائج ملموسة تجسد عزم الدول النووية على تقليص دور السلاح النووي في سياساتها العسكرية بما يفضي إلى إزالته تماماً. إن فعالية هذه المعاهدة و تحقيق أهدافها يتوقفان على عالميتها. في هذا السياق، فإن إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي يكتسي أهمية بالغة. إن بقاء طرف واحد فى المنطقة خارج المعاهدة و الذي يملك ترسانة نووية هو مصدر توتر لما يسببه من اختلال في توازن القوى بالمنطقة. إن استمرار هذا الوضع سيخلق جدلية قد تشجع على الانتشار النووي لاستعادة التوازن الإستراتيجي الإقليمي. إنما الحل المعقول الوحيد يكمن في استئصال السلاح النووي الموجود في المنطقة والعمل بحزم لمنع أي انتشار له في المستقبل. ونحن نتوفر على الإطار الملائم لتحقيق ذلك. إن الأمر يتعلق بالقرار الذي اعتمدناه في مؤتمر استعراض معاهدة منع الانتشار النووي لسنة 1995 المتعلق بجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي ومن كل أسلحة الدمار الشامل. فلنعمل على تطبيقه إذا ما أردنا أن نقضي نهائيا على الانتشار النووي بالمنطقة. السيد الرئيس، في سياق التحديات المتصاعدة المهددة للاستقرار و السلم في العالم، هناك طلب ملح ومناشدة من المجموعة الدولية كي يقوم المؤتمر بوظيفته. لكن للأسف فهو لا زال عاجزا عن الاستجابة لهذا الطلب. و حري بنا أن نستوقف أنفسنا و نفكر في الحلول المناسبة للخروج من المأزق. إن النقاشات التي دارت خلال الدورة الأخيرة للجـــمعية العامة للأمم المتحدة ومشاريع القرارات التي طرحت للنقاش حول مؤتمر نزع السلاح تبين بوضوح مختلف الخيارات المطروحة. و أنوه بالأفكار التي طرحها السيد جومارت توكاييف مشكورا، خلال جلسة 14 فبراير 2012 حول مؤتمر رفيع المستوى وتعيين منسقين خاصين لإعادة النظر في أجندة المؤتمر وفي إجراءاته. و لكن لا يبدو أن إعادة النقاش حول الأجندة، أو حول الإجراءات التنظيمية، أو نقل المفاوضات إلى خارج المؤتمر سوف تحل المشكل الجوهري. إنني و كما سبق وأن قلت خلال جلسات سابقة للمؤتمر إن العامل الأساس الذي يتوقف عليه تقدمنا في الأشغال هو الإرادة السياسية. و هو نفس الرأي الذي استقر عليه المجلس الاستشاري للأمين العام للأمم المتحدة لنزع السلاح في تقريره رقم A/66/125المؤرخ في 11 يوليو 2011. و قد كان جليا منذ البدايات الأولى للمؤتمر أهمية الإرادة السياسية لتمكين هذا المحفل من أداء مهامه. و في هذا الصدد أذكر ما جاء في كلمة السيد عبد العزيز بوتفليقة، رئيس المؤتمر في يناير 1979، أقتبس: " لا يمكن للجنة نزع السلاح أن تقوم بدور مهم إلا بمقدار قدرة الدول في إبداء الإرادة السياسية التي تشكل، كما تشير إلى ذلك الوثيقة الختامية للدورة الاستثنائية العاشرة للجمعية العامة، العامل الحاسم لوضع تدابير حقيقية لنزع السلاح حيز التنفيذ، و يشكل المؤتمر تحديدا المكان الذي ينبغي أن تتجلى و تتجسد فيه هذه الإرادة" انتهى الاقتباس. وما زلنا اليوم بعد مرور 33 سنة في أمس الحاجة لهذه الإرادة. السيد الرئيس، حسب النظام الداخلي للمؤتمر، إن برنامج العمل يعتمد بتوافق الآراء. لكن من الواجب التذكير بأن هناك قواعد و مرجعيات واضحة هي التي ينبغي أن تحدد سلوكنا هنا. و أستذكر في هذا الشأن ذلك النداء القيم المليء بالدلالات للسفير جون دانكن سلف زميلتنا السيدة السفيرة جوان أدامسون الممثلة الدائمة للمملكة المتحدة في كلمة وداعه للمؤتمر السنة الماضية. فقد ألح آنذاك على ضرورة الانتقال من دبلوماسية المجموعات و القوى السياسية إلى دبلوماســـــــــية مبنية على المصالح و القيم المشتركة. وفي حقيقة الأمر يجب أن نذكر أننا لا ننطلق من فراغ أو أننا بصدد اختراع مفاهيم جديدة. لقد اتفقنا سويا من خلال ميثاق الأمم المتحدة على أسس التعايش المشترك حتى ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب. ومن أجل ذلك إتفقنا بموجب ميثاق الأمم المتحدة على مجموعة من الأهداف والمبادئ ومنها احترام سيادة الدول، والامتناع عن التهديد بالقوة أو استعمالها والاستقلال السياسي لأي دولة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحق تقرير المصير. تلك هي القيم والمبادئ التي ينبغي أن نسترشد بها حتى يستطيع المؤتمر استعادة حيويته للحد من الطموحات الأمنية الأحادية و اعتماد معايير متعددة الأطراف في مجال نزع السلاح. السيد الرئيس، نحن نتحمل مسؤولية كبيرة وهي تثبيت مصداقية المؤتمر. وهذا لن يتم إلا باعتماد برنامج عمل يمكنه من مزاولة نشاطه الجوهري. في هذا السياق، أجدد قناعتي الراسخة أن المقررة 1864CD/المعتمدة في مايو 2009 لا تزال تشكل قاعدة منطقية للانطلاق نحو إيجاد مخرج من معضلتنا. لهذا الغرض، نأمل أن تقود مجهوداتكم إلى صيغة توافقية حول برنامج عمل تحت رئاستكم. ونشجعكم على مواصلة مشاوراتكم لإدخال تعديلات محدودة من شأنها أن تتغلب على التحفظات التي منعت من تنفيذ المقررة 1864CD/. وإذا ما لم يؤدي هذا المسعى إلى النتائج المرجوة، فيمكن النظر في المقترحالذي أشرت إليه في جلسة 31 يناير 2012 و الذييقضي باعتماد برنامج عمل مبسط في إطار الجلسات الرسمية العامة للمؤتمر. ويكون عندئذ من المفيد إدراج خلاصة المداولات الجوهرية في التقرير السنوي للمؤتمر. و لو تعذر ذلك، فسيصبح من الضروري الدعوة إلى دورة استثنائية رابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة حول نزع السلاح لمعالجة الأزمة التي تواجه آلية نزع السلاح المتعدد الأطراف. السيد الرئيس، في الأخير أسمحوا لي أن أقول بأنه خلال المدة التي كان لي عظيم الشرف تمثيل الجزائر في المؤتمر، سعدت بمعرفة دبلوماسيين بارزين و على قدر عال من المهنية. وعلى الرغم من اختلاف الآراء فإن النقاشات دارت دوما في جو من المودة، خلافا لما يحدث في محافل أخرى بجنيف، أين تتسم النقاشات عادة بالتسييس و كثيرا ما بالتوتر. و أحيي بالمناسبة ممثلي المجتمع المدني الذين يتابعون أشغالنا من أعلى القاعة معربين عن تمسكهم بقضية نزع السلاح و السلم في العالم. و أتمنى أن ينفتح المؤتمر أكثر في المستقبل على المنظمات الغير الحكومية و أن يسترشد بمساهمتها. أخيرا و ليس آخرا أود أن أعرب عن جزيل الشكر لأمانة المؤتمر و على رأسها سعادة السيد جومارت توكاييف على الدعم القيم لأشغالنا. و لا أنسى الســــيدات والسادة المـــــــترجمين الذين كانوا جـــسر مكننــــا من التواصــل و التخاطب على الرغم من اختلاف لغاتنا. وشكرا على حسن الإصغاء. |